مجتمع المعرفة حسب التعريف الوارد في البرنامج الانمائي للامم المتحدة لعام 2003 ،هو "المجتمع الذي يقوم أساساً على إنتاج المعرفة،ونشرها،وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي......". وقد يكون هذا المجتمع عاماً كما قد يكون مجتمعاً خاصاً بفئة معينة . والذي يهمني في هذا المقال المختصر هو (المجتمع القضائي). بوصفه مجتمعاً خاصاً بالمشتغلين فيه، من قضاة وادعاء عام ومحققين ومعاونين قانونين وباحثين اجتماعيين وغيرهم.
إذ تجمع بين عناصر هذا المجتمع إهتمامات وأهداف مشتركة .تسعى في مجملها إلى تطوير العمل القضائي والإداري في المحاكم، وصولاً إلى تحقيق العدالة الناجزة. والمعرفة في ابسط تعريفاتها تمثل "حصيلة الامتزاج الخفي بين المعلومة والخبرة والمدركات الحسية ،والقدرة على الحكم على المعلومات". وتكاد المعرفة أن تكون سلعة كاسدة ، في كثير من المجتمعات ، ومنها مجتمعاتنا العربية مع شديد الأسف. إذ تظهر الدراسات المتخصصة إحصاءات مخيفة تتعلق بإنتاج المعرفة في عالمنا العربي. فالعرب ينتجون سنوياً كتاباً واحداً لكل (12000) اثنى عشر الف مواطن، في حين أن انكلترا لوحدها تنتج كتاباً واحداً لكل (500) خمسمائة مواطن فيها. فضلاً عن ضآلة الإنفاق الحكومي على البحث العلمي ومراكز الأبحاث.
وإذا كان الأمر كذلك على المستوى العام . فما هو حظ المجتمع القضائي في العراق من إنتاج المعرفة القضائية؟ وما هي السبل التي يمكن من خلالها خلق مجتمع المعرفة القضائي؟ ذلك المجتمع الذي يقوم على إنتاج المعرفة ،ونشرها،وتوظيفها في خدمة العمل القضائي.
إن خلق مجتمع المعرفة كما يرى الكثيرون يقوم على عدة شروط منها، وجود البنى التحتية المناسبة له، وتبادل المعلومات والمشاركة،والابتكار،وإشاعة ثقافة التعلم المستمر في أوساط الناس. تلك الشروط تمثل في حدها الأدنى الأساس الذي يقوم عليه مجتمع المعرفة .والبنى التحتية لإنتاج المعرفة تتمثل في مراكز الأبحاث والدراسات، والوحدات البحثية في المؤسسات التعليمية. وبخصوص ذلك تحوي المؤسسة القضائية، المعهد القضائي المعني بإعداد القضاة، وأعضاء الادعاء العام مهنياً، قبل مباشرتهم في العمل القضائي. ومعهد التطوير القضائي ،المعني بتأهيل القضاة وأعضاء الادعاء العام المستمرون في الخدمة القضائية، والمحققون وبقية منتسبي السلطة القضائية. واللذان يمثلان أهم ركائز البنى البحثية في المؤسسة القضائية، من خلال إقامة الدورات التدريبية وورش العمل .بالشكل الذي يحقق مبدأ التعليم المستمر في أوساط المشتغلين في المؤسسة القضائية. كما تحرص تلك المؤسسة على إتاحة الاطلاع على أهم القرارات الصادرة عن المحاكم العليا فيها (محكمة التمييز الاتحادية ومحاكم الاستئناف بصفتها التمييزية) من خلال نشر الأحكام والقرارات الصادرة عنها ،على المواقع الالكترونية. الأمر الذي يتيح مشاركة تلك القرارات مع الجميع .وإصدار مطبوع الكتروني في إطار الصحافة القضائية هو صحيفة القضاء الالكترونية. ولكي تأتي تلك الخطوات ثمارها في خلق مجتمع المعرفة القضائي. ينبغي أن يتم العمل على تحفيز العاملين على المشاركة والابتكار من خلال خلق شبكة متماسكة، تنتظم فيها كل عناصر السلطة القضائية، في تبادل المعلومة القانونية وتشاركها. وزيادة مشاركتهم في إعداد البحوث والدراسات القانونية. ويتم ذلك من خلال إعلاء قيمة ثقافة البحث العلمي ،والتعلم المستمر، وتقييم الباحثين. كأن يصار إلى إعلان مسابقة فصلية مثلاً للبحث في موضوعات معينة ،أو التعليق على مبدأ تمييزي. والعمل على إصدار مجلة قانونية محكمة تعنى بنشر البحوث والدراسات .وأن تعتمد تلك البحوث معايير "التنبؤ، والاستقراء، والاستنتاج، والتحليل، والتفسير، والعمومية". وهو نفس الأمر الذي يجب اعتماده في بحوث ترقية القضاة وأعضاء الادعاء العام. بوصفها معايير عالمية لجودة البحث وقيمته العلمية.والتشجيع على أنشاء المدونات القانونية على مواقع التواصل الاجتماعي ،لما تمثله تلك المدونات من طريق سهل تستقى منه المعلومة القانونية ،وتتبادل فيها المعلومات والخبرات بسهولة ويسر.إن إشاعة ثقافة التعلم المستمر ،ومشاركة المعلومات وتبادلها .وتشجيع البحث وإعلاء قيمة العلم.هي السبل الكفيلة بخلق مجتمع المعرفة القضائي.