يعرف قياس الأثر التشريعي بانه فحص وتحليل الآثار المحتملة والفوائد المجتمعية والتكاليف الاقتصادية المتوقعة والمترتبة على التشريعات النافذة من اجل المحافظة على جودة التشريعات وجعلها في صورة واضحة ومتفقة مع الواقع ومبسطة وقابلة للتطبيق ومتوازنة لكي تكون ثابتة وغير معرضة للتعديلات التي تنقص من قيمتها وذلك بان تكون هذه التشريعات واضحة الهدف ومستوعبة لكافة المشكلات المحتملة والتي ستنتج عن التطبيق، وقياس الاثر التشريعي يعتبر من المصطلحات القانونية التشريعية التي يتم تداولها حديثا وهو يعتبر آلية لوضع تقييم مفصل ومنهجي للآثار المحتملة للتشريع النافذ وذلك من اجل غاية تتمثل في الوصول الى الحكمة من تشريعه والتعرف على التحديات التي ستواجه التشريع وهل ان فوائده الاجتماعية والاقتصادية ستتفوق على المخاطر والتحديات الناتجة عن تطبيق هذا التشريع.
كان لعدد من الجهات خطوات في هذا الشأن كمجلس الوزراء ومجلس النواب ووزارة التخطيط ووضعوا عدة معايير واستبيانات لقياس اثر التشريعات النافذة للوصول الى جودة التشريع او ما يسمى بالتشريع الأفضل ومن اجل ان يساهم التقييم اللاحق للتشريعات في مراجعة التشريعات القائمة بالفعل بحيث ان هذا النظام سيوفر معلومات عن كفاءة التشريع ودرجة تأثيره بالمجتمع وما هي عيوبه وما هي نواقصه مما يتيح فرصة لدراسة الإجراءات المطلوبة لإصلاحه سواء عن طريق إلغاء النصوص التي ثبت عدم كفاءتها في التطبيق او تعديلها او تبسيط اجراءات تطبيق هذه النصوص باصدار انظمة وتعليمات تسهل تنفيذها.
لذلك ينبغي عمل مراجعات لاحقة للتشريعات القائمة خاصة عندما يكون هناك قلق بشأن توافق التشريع النافذ مع عدد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية او عندما تكون التكاليف التي ترتبت على ميزانية الدولة نتيجة هذا التشريع مرهقة وتفوق ما يترتب على التشريع من فوائد مجتمعية، واجد انه سبب رئيسي لفشل اغلب التشريعات التي شرعت حديثا حيث اصبحت ينظر اليها كوسيلة لتحقيق منافع ومكاسب مادية دون حساب ما يترتب عليها من تكاليف مرهقة ، هذه الاسباب كلها جعلت من قياس الاثر التشريعي ضرورة تهدف الى جودة التشريع ومراجعته بكفاءة عالية.
ان دور القضاء ممثلا بجهاز الادعاء العام مهم في هذا الشأن وان هذا الجهاز عليه ان يسهم في اجراء التقييمات اللاحقة للقوانين النافذة وفق ما جاء في المادة ٢ / سابعا من قانون الادعاء العام النافذ رقم ٤٩ لسنة ٢٠١٧ والتي نصت "يهدف هذا القانون الى الإسهام في تقييم التشريعات النافذة لمعرفة مدى مطابقتها للواقع المتطور " ومن تفسير حرفية النص نجد انه استعمل عبارة " تقييم " وليس دراسة ومن منطلق هذا المصطلح فهو يعني تحليل الاثر التشريعي للتشريعات النافذة فكيف يتم التقييم ما لم يكن هناك تحليل لأثر التشريع على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويدخل في ذلك قياس منافعه في مقابل التكاليف وما هي الاثار غير المقصودة وغير المحسوبة التي نتجت عنه وما هي البدائل والحلول التي يجب الاستناد اليها لإنقاذ التشريع.
وان الادعاء العام بحكم القانون عليه ان يسهم في احداث هذه الموازنة وان يكون لأعضائه دور في ذلك في حكم ما تعرض عليهم من وقائع مرتبطة بنصوص واجبة التطبيق اثناء أدائهم لوظيفتهم ، فاذا ما وجدوا اي نص قانوني له تأثير سلبي على المصلحة العامة او ان فيه ضررا على المال العام عليهم ان يقيموا النص القانوني وتقديم البدائل والمقترحات ورفعها الى رئاسة الادعاء العام ليمارس هذا الجهاز دوره بموجب القانون وليحقق اهدافه في الاسهام بتقييم التشريعات النافذة والتي ثبت عدم كفاءتها او عدم احداثها للتوازن الأقتصادي والاجتماعي او ان اضرارها بالمصلحة العامة وبالمال العام تفوق منافعها او انها تخالف وتعارض نصوصا اخرى واجبة الأتباع او قصور اي نص قانوني من تحقيق الحكمة من تشريعه .
كما ان على السلطة التشريعية باعتبارها الجهة المشرعة للقوانين بموجب الدستور ومن منطلق مسؤوليتها عن جودة التشريعات ان ترفض اي مشروع قانون يقدم من الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة اذا لم يرفق به دراسة معمقة وتفصيلية شاملة لكل الآثار المحتملة وتتضمن تقييم لنتائج التشريع بهدف الحيلولة دون اصدار التشريعات المؤكدة الفشل والتي لا تحقق التوازن الاقتصادي والمجتمعي .