في ظل تصاعد ازمات البلاد بالاونة الاخيرة، يبقى القضاء ذلك الحارس الامين على مصالح العراق وتطلعات ابنائه ورغبتهم في العيش بمجتمع يسوده القانون وتحكمه سلطة القضاء مهما كانت الظروف والتحديات و مديات تأثيرها ، فأن الجميع قد ادرك بأنه لا سبيل لهم غير اللجوء الى القضاء في حل قضاياهم ومشاكلهم وحمايتهم وممتلكاتهم من اي اعتداء او تجاوز، واحترامهم للاحكام الصادرة منه ايمانا بعدالة القضاء وشجاعة رجاله في تطبيق روح القانون على الجميع ومن دون تمييز.
إن الازمات المتجددة التي لا يزال يشهدها العراق قد ضاعفت حجم ثقة المواطن بالقضاء، نتيجة مواقف رئاسته المشرفة منذ انطلاق تظاهرات تشرين الاول وما رافقتها من احداث استثنائية ، وهي مواقف وطنية ومدروسة ومؤشرة من قبل المواطنين ، ذلك عندما اصر معالي الرئيس الدكتور فائق زيدان على ضرورة ابقاء المحاكم ابوابها مفتحة للجميع من اجل عدم تعطيل مصالح الناس و الحفاظ على هيبة الدولة امام المواطنين انفسهم و الرعايا الاجانب بل حتى امام سفارات الدول وقنصلياتها المعتمدة في العراق.
لمحاكم مجلس القضاء الاعلى موقف وطني كبير يفتخر به امام جميع مؤسسات ودوائر الدولة العراقية ولا شك فيه من ان التاريخ سيخلد تلك المواقف الوطنية النبيلة وسينحني لها اجلالا وعرفانا لها و من هذه المحاكم هي رئاسة محكمة استئناف واسط الاتحادية والمحاكم التابعة لها على حدود ١٧ وحدة ادارية ، فأنها بقيت تقاتل من اجل ادامة زخم الدوام الرسمي فيها ولم تغلق ابوابها يوما ما و بقيت تستقبل المواطنين والمحامين يوميا" وتبت في الدعاوى المدنية والشكاوى الجزائية و دعاوى محاكم الجنايات والجنح التي فيها متهمون موقوفون حرصا منها على حق المتهم في سرعة تقرير مصيره وحسم دعواه لجوانب قانونية وانسانية وصحية واستعمال الجواز القانوني في اعمال محاكم ومكاتب التحقيق بما ينسجم مع القانون والظروف الصحية الراهنة وكذلك عودة اصدار عقود الزواج والقسامات الشرعية والمعاملات الاخرى التي لها صلة وثيقة بحاجة المواطن الفعلية ، على الرغم من قساوة الظروف التي شهدتها بعض الاماكن بسبب قطع الطرق وحرق الاطارات وغلق الدوائر وصعوبة الوصول الى مقر العمل الا ان رجال القضاء كانوا مصرين على مواصلة شرف خدمة المواطن ، مع الالتزام بالاجراءات الصحية الوقائية من ارتداء الكمامات والقفازات وتعفير المباني وكذلك تم نصب جهاز تعقيم في بوابة المحاكم وهو جهاز حديث مصنع بجهود ذاتية وبخبرة الكادر الهندسي في رئاسة الاستئناف.
وفي خطوة مميزة من نوعها وقد نالت رضا واستحسان الازواج والمطلقين معا فيما يتعلق بالاستمرار باجراءات المشاهدة والاصطحاب خلال ايام الحظر الصحي حفاظا منها على تقوية اواصر الابوة والامومة خاصة وانهما يخوضان " حرب الكروبات " على "الفيسبوك " من قبل الازواج المطلقين والزوجات المطلقات يدعون فيها الى تعديل المادة (٥٧) من قانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ النافذ ، وهي المادة الاكثر تطورا" على مستوى قوانين الاحوال الشخصية في المنطقة ، حيث ان رئاسة محكمة استئناف واسط الاتحادية قد دأبت على جعل يومي الجمعة والسبت حصرا" من كل اسبوع هي ايام مخصصة للمشاهدة والاصطحاب بموجب استمارة خاصة تبدأ باستلام المحضون صباحا" وتسليمه عند المساء وبأشراف القاضي الخافر وارسال محاضر المشاهدة الى مديرية التنفيذ المختصة.
وتعتبر هذه الخطوة متطورة جدا في تنظيم آلية عمل المشاهدة التي تعد من الدعاوى البسيطة من الناحية القضائية والمهمة والصعبة من الناحية العائلية والاجتماعية والملفت للنظر هو عدم تسجيل اية شكاوى جزائية بين الازواج او المطلقين او الاجداد في محاكم تحقيق الاسرة والطفل فيما يتعلق " بسوء الفهم " الذي يحصل عادة بينهما في ايام المشاهدة سابقا" التي كانت في مديريات التنفيذ ، وبالتالي فأن كل هذه الاجراءات المتخذة لا يمكن لها ان ترى النور او ان تطبق في ظل وجود بيئة غير آمنة لولا وجود تلك الارادة القوية.
وبالتالي فأن عمل مجلس القضاء الاعلى ورئاسته الموفقة ومحاكمه ودوائره ومديرياته وتوابعه الاخرى في ظل الازمات المتتابعة في العراق قد افرزت عن مواقف وطنية عراقية كبيرة ومشرفة على الرغم من التحديات الكبيرة ولا يمكن ان تنسى هذه المواقف التي هي محط فخر واعتزاز لكل ابناء الشعب من شمال الوطن الى جنوبه في داخل العراق وخارجه وان هذه المواقف يجب ان تصل الى مسامع العالم الخارجي وان تدرس في المعهد القضائي ومعهد التطوير القضائي وفي الندوات الشهرية التي تعقد في رئاسات الاستئناف حتى يفهم العالم اجمع كيف كان رجال القضاء العراقي من قضاة واعضاء الادعاء العام وموظفين وحراس قضائيين احياء كانوا او شهداء يعملون بكل نزاهة وجدارة واخلاص وثبات في بلد تسوده الازمات والصراعات ولم يذق طعم الاستقرار يوما...!!!!