يهتم التشريع العراقي والمقارن بكبار السن، من خلال ايجاد النصوص القانونية التي تتولى حمايتهم ورعايتهم والمحافظة على حقوقهم سواء اكان ذلك بقانون خاص مستقل ام من خلال الاحكام القانونية الواردة في القوانين المختلفة استنادا لما ينتهجه المشرع من فلسفة بهذا الخصوص، ويتأتى ذلك الاهتمام بالمحاولات الدولية لإعداد مسودة القانون العربي الاسترشادي لحماية كبار السن ضمن الاستراتيجية العربية لحماية كبار السن، بغية منهجة حمايتهم في تشريع خاص، اسوة بحقوقهم المشار اليها في المواثيق والإعلانات الدولية وفي التشريعات الدولية والقانون الدولي الانساني وفي التشريعات الوطنية العربية ومنها التشريع العراقي.
ويقصد بكبير السن هو كل شخص اكمل 60 عاما، استنادا الى احكام قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 المعدل الذي حدد السن القانوني للإحالة الموظف على التعاقد بذلك السن بشكل عام، وعلى الرغم من التزايد المستمر في أعداد الأشخاص كبار السن إلا أن حجم الخدمات المقدمة لهم والاستجابة لاحتياجاتهم في مجالات الصحة، وسبل المعيشة، والحماية، متردية وذلك نتيجة الازمات المزمنة، وغياب الخطط والبرامج التنموية التي تضمن تمتعهم بحقوقهم الدنيا دون تمييز، وتغدو مشكلة المفاهيم الخاطئة وغير السليمة إزاء كبار السن بوصفهم عالة وعبئا في الأسرة، أحد الأسباب التي تؤدي الى تردي أوضاع هذه الفئة والى حدوث انتهاكات بحقهم داخل الأسرة، وكذلك في المجتمع بصورة عامة، كما أن غياب إحصائيات كافية حول أوضاع كبار السن، وندرة عدد المؤسسات التي تعنى بحقوق كبار السن، وإن وجدت، فإن تركيز عملها يكون في الجانب الاغاثي دون التنموي، اضافة الى غياب برامج الحماية لكبار السن من عصف العنف الاسري والمجتمعي، لعدم تشريع قانون العنف الاسري ، يجعل كبار السن يعانون من تهديدات مستمرة لحقوقهم، داخل الاسرة وفي المجتمع.
إن أهم احتياجات كبار السن هي الأمن الغذائي، وتوفير سبل المعيشة في القدرة على الكسب، وضمان توافر سبل العلاج والمتابعة الصحية في ضل انتشار جائحة كورونا، وخصوصاً أن معظم كبار السن يعانون من أمراض تتعلق بالقدرة على الحركة، الرؤية، الضغط، السكري، القلب، الأمراض النفسية مثل القلق والضغط والشعور بعدم الاكتراث الكافي من قبل المحيطين بهم، كما يحتاج كبار السن لتوفير الحماية لهم من عوائل الفقر والشيخوخة ومن مظاهر العنف بأشكاله المختلفة، ومن المهم ملاحظة ان دلالات لفظ كبار السن لا ينبغي أن تشير دوماً الى حالة العجز التام عن العمل، وكسب العيش، وبالتالي فان غياب الفرص التنموية والبرامج التشغيلية، يعد بمثابة عائق أساسي في تمكين كبار السن من توفير سبل المعيشة لهم والتقليل من تبعيتهم للآخرين، وخصوصاً في ظل تفاقم ظاهرة التفكك الاجتماعي التي تسببها عوامل متعددة منها حالة الفقر والبطالة، وينبغي الاشارة الى أن هناك غيابا في الحماية القانونية على الصعيد الوطني لكبار السن، اذ لا يوجد قانون خاص ينظم حقوقهم، وتكمن فلسفة المشرع العراقي في حمايتهم بجمله من النصوص العامة المتناثرة في بعض القوانين.
لقد خلت منظومة التشريعات الوطنية العراقية من قانون خاص يتعلق بحماية حقوق كبار السن، ولكن يمكن استنباط حماية هذه الحقوق من المبادئ القانونية الكلية التي تضمنها دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، الذي كفل حقوق المواطنين دون تمييز على اساس السن، فالمادة (14) منه نصت على ان ( العراقيين متساوون أمام القانون دون تمييز بينهم بسبب الجنس أو العرق او اللون أو الدين أو المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي )، والمادة (15) منه التي أكدت على ان (لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق او تقيدها إلا وفقا للقانون، وبناء على قرار صادر من جهة قضائية مختصة )، والمادة (16) منه التي نصت على ان ( تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك )، اما المادة ( 17 ) منه فنصت على ان ( اولا - لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية بما لا يتنافى مع حقوق الاخرين، والآداب العامة. ثانيا –حرمة المساكن مصونة، ولا يجوز دخولها او تفتيشها او التعرض لها الا بقرار قضائي، ووفقا للقانون )، ومن المهم ملاحظة ان المادة (29) منه تطرقت بشكل صريح الى كبار السن، اذ نصت على ان ( أولا - أ- الاسرة اساس المجتمع، وتحافظ الدولة على كيانها وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية. ب- تكفل الدولة حماية الامومة والطفولة والشيخوخة، وترعى النشء والشباب، وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم وقدراتهم.
ثالثا- للأولاد حق على والديهم في التربية والرعاية والتعليم، وللوالدين حق على اولادهم في الاحترام والرعاية، ولاسيما في حالات العوز والعجز والشيخوخة).
وكذلك الامر بالنسبة للمادة (30 / ثانيا ) منه التي نصت على ان ( تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة او المرض او العجز عن العمل او التشرد او اليتم او البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، وينظم ذلك بقانون ).
كما يمكن ان نستدل على ان المشرع العراقي سعى الى الاهتمام الكبير بحقوق شريحة المسنين في المجتمع ورعايتهم، وذلك من خلال تشريع عدد من القوانين التي كفلت بعض موادها الرعاية الكريمة لهم داخل أسرهم بما ينسجم مع قيمنا العربية الأصيلة وتراثنا الإسلامي الخالد ووفقاً لما جاء في الصكوك الدولية لحقوق الانسان والقانون الدولي الانساني، وبما يدعم العلاقة المترابطة بين الأجيال في المجتمع، وتجسد هذا الاهتمام اضافة الى احكام الدستور المشار اليها انفا، في التشريعات العراقية المختلفة التي اهتمت بحقوق كبار السن وهي :
1- صدور تشريع خاص بتشغيل المسنين المتقاعدين بدوائر الدولة رقم [361] لسنة 1985.
2-تخصيص راتب للمسن الذي ليس له دخل وغير قادر على العمل وهو راتب الرعاية الاجتماعية بموجب قانون الرعاية الاجتماعية رقم (126) لسنة 1980.
3- إصدار قانون التقاعد والضمان الاجتماعي للعمال رقم 39 لسنة 1971 المعدل، المنشور في جريدة الوقائع العراقية رقم 1976 بتاريخ 22 /3 / 1971، بما يلبي احتياجات المسنين من العمال.
4-استحداث دور لرعاية المسنين في كل محافظة استنادا لأحكام الدستور والمادة (105) من قانون الرعاية الاجتماعية رقم (126) لسنة 1980، وذلك بموجب المادة (1) من نظام دور رعاية المسننين رقم (4) لسنة 1985 المعدل المنشور في جريدة الوقائع العراقية رقم 3038 في 25 / 3/ 1985.
5- قانون الأحوال الشخصية المرقم [188] لسنة 1995 المعدل، إذ أوجبت المادة [61] منه على الولد الموسر كبيراً كان أو صغيراً الإنفاق على والديه، وجاءت المادة [62] من نفس القانون لتوجب النفقة لكل فقير عاجز عن الكسب من يرثه من أقاربه الموسرين بقدر ارثه منه.
6-قانون العقوبات رقم [111] لسنة 1969 المعدل، المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 1778 بتاريخ 15 /9 / 1969، اذ نصت المادة [383] منه، التي تعاقب كل من عرض بنفسه أو بواسطة غيره للخطر شخصاً عاجزاً عن حماية نفسه بسبب حالته الصحية أو النفسية أو العقلية بالحبس أو الغرامة، كما عاقبت المادة (371) منه، كل من امتنع بدون عذر مشروع عن القيام بواجبه اتجاه من كان مكلفاً قانوناً أو إنفاقاً برعايته سواء كان شخصاً عاجزاً لصغر سنه أو لشيخوخته أو بسبب حالته الصحية والنفسية أو العقلية بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين.
7-قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 المعدل المنشور في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 4314 في 10 / 3 / 2014، اذ تم بموجبه تحديد السن القانوني للإحالة على التقاعد بشكل عام ب(60) سنة من العمر بغض النظر عن خدمته (المادة 10 ) منه، كما لا يمنع عزل الموظف او فصله او تركه للخدمة او استقالته من استحقاق حقوقه القاعدية ( المادة 13 ) منه، كما ان الحد الادنى للراتب التقاعدي هو مبلغا قدره خمسمائة الف دينار (المادة 21 /رابعا أ، ب ) منه.
نستنتج مما تقدم ان منظومة التشريعات الوطنية العراقية خلت من تشريع خاص يتكفل حماية حقوق كبار السن ولكن يمكن استنباط هذه الحماية من المبادئ القانونية الكلية التي تضمنها دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، الذي كفل حقوق المواطنين دون تمييز ومن الاحكام الخاصة المشار اليها في التشريعات العراقية المختلفة التي اهتمت بحقوق كبار السن، وبهذا الخصوص نلفت انتباه المشرع العراقي الى ضرورة اصدار قانون خاص يتضمن حماية وافية وكافية لحقوق كبار السن في كافة المجالات، وبما يضمن حمايتهم من العنف الاسري في ضل غياب قانون العنف الاسري حفاظا على اواصر الترابط الاجتماعي بما يحقق المصلحة العامة.