يحدث كثيراً، ومن دون سابق إنذار. أن يضعك الإهمال وقلة التبصر تحت طائلة القانون .نتيجة لمخالفة أحكامه، أو التعدي على حقوق الآخرين. وقد تكون تلك المخالفات ليست من الخطورة والجسامة التي تستدعي التشدد في محاسبة مرتكبيها سيما وان تلك الجرائم في مجملها تتعلق بحقوق خاصة للأفراد، أو مخالفات بسيطة لأمور تنظيمية قررها المشرع، لايمكن للتصالح فيها أن يؤذي ضمير المجتمع، أو يهدم قيمه الأساسية. وقد أخذت معظم التشريعات الجزائية الحديثة بالصلح،كسبب من أسباب انقضاء الدعوى الجزائية. ولكنها اختلفت في دائرة أحكامه ضيقاً واتساعاً.
وفي العراق وردت أحكام (الصلح) في قانون أصول المحاكمات الجزائية في (الباب الثالث/إجراءات المحاكمة)، الفصل الخامس منه. والذي نظم أحكام الصلح ورتب على قبوله نفس الأثر المترتب على الحكم بالبراءة. وبينت المواد (194و195)منه، أن الجرائم التي يقبل الصلح فيها،هي الجرائم التي يتوقف تحريكها على شكوى المجنى عليه. واشترطت طلب الصلح في تلك الجرائم من قبل المجنى عليه، أو من يقوم مقامه قانوناً.والجرائم التي يتوقف تحريكها على طلب المجنى عليه، وردت في نسبتها الأكبر في المادة (3) من قانون أصول المحاكمات الجزائية،ونصوص اخرى متفرقة.اصطلح على تسميتها فقهاً (جرائم الحق الشخصي).ومن جماع تلك النصوص والأحكام الواردة فيها، يمكن أن نخلص إلى أن المشرع العراقي،أعتمد معيار (نوع الجريمة)،في تحديد الجرائم التي يجوز الصلح فيها.وقرن ذلك بوجوب طلب الصلح من (المجنى عليه او من يمثله قانوناً). ولاشك أن المشرع يكون بذلك قد ضيق نطاق الصلح واخذ بحدوده الدنيا. وهو أمر لايتفق مع ماتذهب إليه التشريعات الحديثة من توسيع دائرة الصلح. لما لذلك من دور في ترشيد الإجراءات، وتقليل الزخم في المحاكم، وسرعة إنهاء النزاعات.
ونرى أن المعيار الذي أخذ به المشرع المصري في قانون الإجراءات الجنائية، وعلى وفق آخر التعديلات الواردة على أحكام الصلح فيه. ومنها القانون رقم(74لسنة 2007).هو المعيار الأسلم الذي يجب الأخذ به في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي.إذ اعتمدت أحكام الصلح فيه على معيار (مقدار العقوبة)،إضافة إلى (نوع الجريمة) ،وعلى عدم اشتراط طلب الصلح من (المجنى عليه) في النوع الأول المرتبط بمقدار العقوبة.فقد نصت المادة (18/مكرر).على قبول المتهم عرض النيابة العامة أو مأموري الضبط القضائي،التصالح في جميع (المخالفات والجنح) المعاقب عليها بالغرامة فقط،أو بالحبس جوازياً مدة لاتزيد على ستة اشهر.على أن يدفع المتهم ثلث الحد الأقصى للغرامة، إذا حصل التصالح قبل رفع الدعوى إلى المحكمة المختصة،وثلثي الحد الأقصى، أو قيمة الحد الأدنى للغرامة إيهما أكثر،إذا حصل التصالح بعد رفع الدعوى إلى المحكمة المختصة.
وتنقضي الدعوى الجزائية بالتصالح، ولا يكون لها تأثير على الدعوى المدنية. أما الجرائم التي لا تدخل في عداد الجرائم المذكورة آنفاً،فقد اشترط المشرع المصري، أن يكون طلب التصالح فيها بناءً على طلب من المجنى عليه،أو وكيله الخاص.والملاحظ على تلك الجرائم أنها احتوت فضلاً عن الجرائم ذات الطابع الشخصي البحت،جرائم تعد من جرائم الحق العام في بعض التشريعات.ومن ذلك قبولها التصالح في جنحة القتل الخطأ المنصوص عليها في المادة (238/1)عقوبات مصري.والتي يقابلها عندنا نص المادة (411)عقوبات.وجرائم إختلاس الأشياء المحجوز عليها قضائيا،أو إدارياً،ولو من مالكها.وبعض صور السرقة والتي يقابلها عندنا نص المادة(449و450)عقوبات،وبعض صور جريمة خيانة الأمانة.وغير ذلك مما هو منصوص عليه في قانون الإجراءات الجنائية المصري،لمن اراد الاستزادة.
إن ماتشهده محاكم التحقيق والجنح في العراق من زخم كبير، ومايعانيه المتهمون في جرائم المخالفات والجنح البسيطة من إجراءات التحقيق والمحاكمة. يدعونا الى المناداة بضرورة تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية في ما يتعلق بأحكام الصلح وتوسيع نطاق الجرائم التي يقبل الصلح فيها.سواء بناءً على طلب من المجنى عليه او بدون طلبه.