يعتبر مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات من اهم المبادئ القانونية التي أُعتمد عليها في السياسة الجنائية المطبقة في العراق، حيث جاء مبدأ لا جريمة ولا عقوبة الا بنص في المادة الاولى من قانون العقوبات العراقي رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ والتي نصت "لا عقاب على فعل أو امتناع إلا بناءً على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ولا يجوز توقيع عقوبات أو تدابير احترازية لم ينص عليها القانون" هذا المبدأ يترتب عليه ان لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ولا يجوز القياس على النص الجنائي كما لا يجوز التوسع في تفسيره لان ذلك سيؤدي الى خلق جرائم جديدة لم ينص القانون على تجريمها وبالتالي يقيد الحريات.
والقياس هو إعطاء حالة غير منصوص عليها في القانون حكم حالة منصوص عليها لاتفاق الحالتين في العلة، وفي قانون العقوبات لا يجوز استخدام القياس مهما كان هناك تشابه بين الفعلين حيث ان القواعد الايجابية المتعلقة بالتجريم يكون منع استخدام القياس فيها مطلقا أما في القواعد السلبية المتعلقة بالإباحة والإعفاء من المسؤولية يكون القياس جائزا لأنه لا يؤدي إلى خلق جرائم جديدة ويكون في مصلحة المتهم.
القانون العراقي عرف الجريمة على انها كل تصرف جرمه القانون سواء كان ايجابيا ام سلبيا كالترك والامتناع ما لم يرد نص خلاف ذلك والقانون يستند في تجريم الافعال على حجم الضرر الذي تسببه سواء للافراد ام للمجتمع ككل، واحيانا يطبق القاضي نصا جنائيا على جريمة لم يرد بها نص صريح نظرا لتشابه الافعال المادية المكونة لها كما هو الحال في جريمة ممارسة السحر والشعوذة والتي اصبحت من الظواهر السلبية التي تفتك بمجتمعنا العراقي والتي غالبا يطبق عليها احكام المادة ٤٥٦ من قانون العقوبات العراقي حيث اعتبرت من جرائم النصب والاحتيال واعتبر السحرة والمشعوذين من تجار الوهم الذين يستخدمون طرق احتيالية في الحصول على الاموال، رغم الانتشار الكبير لجريمة الشعوذة كماً وشكلاً ونوعاً واسلوباً حيث اصبحت تمارس علنا ويتم الدعاية والاعلان عنها على منصات التواصل الاجتماعي مما جعلها من اخطر الجرائم الضارة بسلامة الانسان وبسلامة المجتمع وأمنه، وان ترك افعال هؤلاء المجرمين تقاس على الافعال المكونة لجريمة النصب والاحتيال سيؤدي الى تفاقم نتائج هذه الجريمة اخلاقيا واجتماعيا، فضلا على تأثيرها على الدين والعقيدة لان الساحر والمشعوذ يدعي علمه بالغيب وان له القدرة على ايقاع الضرر بالآخرين وهذا يتعارض مع مبدأ التوحيد وبكون الله وحده العالم بالغيب وهذه الجوانب السلبية جعلت سلوك هذه الجريمة سلوكا شاذا غير مقبول اجتماعيا ودينيا لما له من اثر في نخر المجتمع وزيادة البغض والكراهية وتشتيت الناس وبالتالي على تماسك المجتمع وترابطه وأمنه.
نظرا لهذه الخطورة الاجتماعية لا اجد قياس هذه الجريمة وأفعالها المكونة لها على جريمة النصب والاحتيال أمراً مقبولا من الناحية القانونية، خاصة وان محل الجريمة في المادة ٤٥٦ من قانون العقوبات هو مالاً منقولاً مملوك للغير، بينما ان هناك العديد من المشعوذين لهم غايات اخرى غير المال من ارتكاب هذه الجريمة، كما ان اعتبار جريمة السحر والشعوذة من الجرائم الواقعة على الاموال فيه تجاهل لحجم الاضرار الناتجة عن هذه الجريمة والتي تصل احيانا الى ازهاق النفس او التسبب بتفكك المجتمع بعد ان اصبح السحرة يتفاخرون علنا باستخدامهم للاساليب القذرة في تنفيذ أعمالهم مما يبين حجم الضرر الاجتماعي الذي يتسبب به هولاء الجهلة والذي لا يمكن قياسه اطلاقا بالضرر المتولد عن الجرائم الواقعة على الاموال كالنصب والاحتيال، مما يتطلب ان يكون هناك نصوص خاصة بهذه الجريمة وبحثها ضمن الجرائم الواقعة على الاشخاص وحقهم بسلامة جسدهم وضمن الجرائم الاجتماعية المؤثرة سلبا على المجتمع وسلامته وأمنه.