لا شك بان غاية كل الشعوب في العالم هي إقرار مبادئ الشرعية وسمو الدستور واعلاء احكامه في الانظمة القانونية والسياسية المختلفة والتطلع الى حياة ديمقراطية يتمتع فيها الافراد بالحرية والاستقرار في ظل قوانين لا تشوبها شائبة تعكر على الافراد صفو التمتع بحرياتهم او تفرض عليهم ما هو غير ديمقراطي.
ولقد اثبتت تجارب التاريخ انه لا يكفي قيام المؤسسات والانظمة لرعاية مصالح الافراد والجماعات كما لا تكفي النصوص القانونية بمفردها لحماية حقوق الانسان بل ان عامل الرقابة الدائمة والفاعلة هو بنفس اهمية النصوص والمؤسسات، ولعل من اهم اشكال الرقابة هو الرقابة القضائية فلولا القضاء المستقل لما قام ملك ولا ثبت حق ولا تم أمن ولا طاب عيش ولا سعد شعب ولا انتظم للناس اجتماع حيث يعد القضاء احدى اهم ضمانات الشرعية الدستورية ويعتبر الدستور اعلى هرم قانوني في الدولة وان الرقابة القضائية هي الضمان الفعال للأفراد ولا يكفي اسباغ صفة الديمقراطية على دستور معين مجرد توافر المقومات الاساسية وانما يجب ان يضمن الوسائل الكفيلة لاستقراره ومن اجل ان يتمكن القضاء الدستوري من القيام بدوره في حماية الدستور فانه يتمتع هذا القضاء بالضمانات الكافية التي يستطيع بواسطتها تحقيق هدفه في حماية الدستور من أي اعتداء ولا ريب ان طبيعة الرقابة الدستورية على التشريعات تقتضي من القائمين عليها تفكيرا دقيقا وقدرا واسعا في حرية الفكر والابداع سيما وان ما يعرض على القضاء الدستوري من الامور تعتبر ادق واعقد الأمور القانونية وحتى لا تتأثر المسائل القانونية بمختلف التأثيرات السياسية والاجتماعية وغيرها وللحفاظ على استقلالية القضاء الدستوري نجد ان اغلب الدول تشترط في قوانينها التخصص القانوني في القضاء الدستوري ومراعاة لشرط الكفاءة والخبرة في القضاء الدستوري وضعت معايير دولية لاختيار القضاة وانطلاقا من هذا المبدأ عمل مجلس القضاء الاعلى على تنظيم دورات تخصصية في القضاء الدستورية ومحاضرات في القضاء الدستوري من قبل اساتذة متخصصين في القضاء الدستوري وادخال مادة القضاء الدستوري كمادة دراسية في المعهد القضائي والاطلاع على تجارب المحكمة الدستورية في دول العالم والاطلاع على القرارات التي تصدرها المحاكم الدستورية فطبيعة وظائف المحكمة الاتحادية العليا باعتبارها محكمة دستورية تفترض الكفاءة في مجال الدستور والحقوق والحريات والمؤسسات الدستورية والمنظومة القانونية وان المشرع الدستوري العراقي في الدستور العراقي النافذ لعام 2005 لم يفصل في تشكيل المحكمة ولم يتطرق الى تحديد عدد اعضاء المحكمة الاتحادية العليا وانما ترك امر تحديدهم الى قانون يتم تشريعه لاحقا بغالبية ثلثي اعضاء مجلس النواب العراقي ولم يحدد فقهاء الشريعة وفقهاء القانون ولم يحدد الاعضاء الاحتياط في المحكمة الاتحادية العليا.
وان تأهيل القضاء الدستوري يتطلب ان يكون تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا بالشكل الذي يجعل الوضوح في تطبيق القانون لاسيما في عدد اعضاء المحكمة والشروط الواجب توفرها في رئيس واعضاء المحكمة ومدة الولاية والعمل في المحكمة من خلال مدة معينة وحالة غياب احد الاعضاء وفي حالة الاستقالة او الاحالة على التقاعد او الوفاة الامر الذي لا يؤدي الى حدوث فراغ دستوري وان الارتقاء بالقضاء الدستوري يتطلب تطوير القضاء الدستوري الذي يعتبر ضرورة ملزمة لتحقيق الاستقرار و الذي يعد شرطا اساسيا لتحقيق التنمية الشاملة ويساعد على تحقيق الاستقرار السياسي وتحقيق العدالة وصون حقوق الافراد وحرياتهم الدستورية ويجب نشر ثقافة القضاء الدستوري على اوسع نطاق في اوساط المجتمع العراقي وتدريس مادة القضاء الدستوري في كليات القانون .