قبل الخوض في الطبيعة القانونية للضمان العشري لابد من الوقوف على معنى الضمان العشري في عقود المقاولات. والضمان بصورة عامة يقصد به الالتزام بتعويض الغير عما لحقه من تلف المال أو ضياع المنافع، أو عن الضرر الجزئي أو الكلي الحادث بالنفس الإنسانية أما الضمان العشري فيعرف بكونه مسؤولية المقاول والمهندس المعماري عن البناء الذي أنشأه لمدة عشر سنوات ويتحملان الأضرار التي تلحق به.
فالطبيعة القانونية لهذه المسؤولية (الضمان العشري) مردها عقد المقاولة التي تربط المقاول برب العمل والذي ينتهي بالتسليم، ووفقا لذلك تعددت الاتجاهات والاراء في الفقه والقضاء حول تحديد طبيعة تلك المسؤولية (مسؤولية مهندس البناء و المقاول في علاقتهما برب العمل ) والأثر المترتب على التسليم وابرز هذه الاتجاهات ثلاثة رئيسية هي:-
1 – الاتجاه الأول الضمان العشري هو مسؤولية تقصيرية
يرى الفقهاء في فرنسا أن تسليم الأعمال ينهي عقد المقاولة، لان العقد في هذه اللحظة يكون قد استنفد كل آثاره، والقول بخلاف أي أن المهندسين او المقاولين يبقون مسؤولين بعد تسليم الأعمال في عقد المقاولة لا يكون الا بالإرادة العليا للمشرع و تكون عندئذ مسؤوليتهم (مسؤولية قانونية استثنائية ) تستند إلى نص غير مألوف في القواعد العامة، الأمر الذي يترتب عليه وجوب خضوع هذه المسؤولية للتفسير الضيق وعدم امتدادها خارج الإطار الذي رسمته هذه النصوص.
2 - الاتجاه الثاني الضمان العشري هو مسؤولية عقدية
يرى الفقه الحديث أن تسليم الأعمال لا ينهي عقد المقاولة لان التسليم واقعة مادية وليس تصرفا قانونيا وإذا كان للتسليم من اثر مدني فان ذلك الأثر يقتصر على العيوب الظاهرة حيث يعتبر السليم قبولا من رب العمل العيوب إما العيوب الخفية التي لم يكتشفها رب العمل حال التسليم ولم يكن بإمكانه اكتشافها حتى لو بذل عناية الرجل المعتاد فأنها تبقى من مسؤولية المهندس والمقاول. وقد أخذت محكمة النقض المصرية في أحد أحكامها بوجهة النظر الحديثة هذه بأن مسؤولية المقاول أو المهندس عن خلل البناء بعد تسليمه إنما هي مسؤولية عقدية قررها القانون لكل عقد مقاولة على البناء سواء نص عليها في العقد أم لم ينص، كمسؤولية البائع عن العيوب الخفية فإنها ثابتة بنص القانون لكل عقد بيع على أساس أنها مما يترتب على عقد البيع الصحيح
3 – الاتجاه الثالث الضمان العشري هو مسؤولية قانونية.
بعض الفقهاء في فرنسا إذا مابقي المقاول والمهندس مسؤولا بعد تسليم العمل فمعنى ذلك أن المشرع قد فرض ذلك بإرادته، وتكون مسؤولية المقاول والمهندس مسؤولية قانونيه بحتة مصدرها نص القانون وحده، بحيث لاتسري عليها ألا النصوص القانونية التي قررتها.
وفي ظل هذه الاتجاهات الثلاثة نجد أن المشرع العراقي في القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل ذهب إلى القول بان المسؤولية في الضمان العشري هي مسؤولية عقدية لأنه ربط هذه المسؤولية مباشرة بعقد المقاولة فقد ورد في الفقرة (1) من المادة 870 من القانون المدني قولها (يضمن المهندس المعماري والمقاول ما يحدث خلال عشر سنوات من تهدم كلي أو جزئي فيما شيده من مبان أو أقاموه من منشات ثابتة أخرى، وذلك حتى لو كان التهدم ناشئا من عيب في الأرض ذاتها أو كان رب العمل قد أجاز إقامة المنشات المعيبة، ما لم يكن المتعاقدان قد أراد أن تبقى هذه المنشات مدة اقل من عشر سنوات. وتبدأ مدة السنوات العشر من وقت إتمام العمل وتسليمه ويكون باطلا كل شرط يقصد به الإعفاء أو الحد من هذا الضمان) وهذا يعني أن عقد المقاولة يكون نافذا أي قائما وتتحقق مسؤولية المهندس والمقاول خلال مدة العشر سنوات (حالة الضمان العشري) من وقت تمام العمل وتسليمه لرب العمل وكل شرط يقصد به الإعفاء أو الحد من الضمان يكون باطلا وبالتالي فان هذه المسؤولية مؤداها العقد فهي مسؤولية عقدية، وهذا ما ذهبت إلى محكمة التمييز الاتحادية الموقرة في قرارها بالعدد 171/ هيئة استئنافية عقار في 22/ 1/ 2018بقولها (يتحمل المهندس المعماري والمقاول أو المعول عليه قانونا المسؤولية المدنية وضمان أي عيب أو تهدم ينشأ أو يظهر خلال عشر سنوات من تاريخ إقامة المنشآت الثابتة والمباني واستلام رب العمل للمشروع المنجز المتعاقد عليه بين الطرفين وتحسب المدة البالغة عشر سنوات من تاريخ الاستلام النهائي وليس من تاريخ الاستلام الأولي) ومع ذلك كله يجب أن تقام الدعوى للمطالبة بالضمان العشري إمام محكمة البداءة المختصة خلال مدة سنة مــن تاريخ انكشاف العيب وفــــق لما نصت علية الفقرة (4) من المادة (870) بقولها (تسقط دعوى الضمان المنصوص عليه في هذه المادة بانقضاء سنة واحدة من وقت حصول التهدم وانكشاف العيب).